بين أثر مطابق الفعل القول في بناء شخصية ﻻنسان المتزنة؟

بين أثر مطابق الفعل القول في بناء شخصية ﻻنسان المتزنة؟

بين أثر مطابق الفعل القول في بناء شخصية ﻻنسان المتزنة، هو ما نسعى الى التكلم عنه اليوم بشكل مختلف وعميق من اجل الوصول إلى أكثر استفادة لزوار موقعنا الكرام.

 

بين أثر مطابق الفعل القول في بناء شخصية ﻻنسان المتزنة:

تطابق القول والفعل
  ومن بين هذه الآيات الّتي تمثّل قضيّة مهمّة جداً في كلّ واقعنا على جميع المستويات، سواء كان هذا الواقع أخلاقيّاً في العلاقات الأخلاقيّة العامّة، أو كان تبليغياً بما يبلّغ به الناس، أو سياسياً فيما يطلقه العاملون في السّياسة من شعارات، أو في غير ذلك مما يريد الله للناس أن يأخذوا به أو يتركوه.. والآية الكريمة هي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}1، هاتان الآيتان تؤكِّدان ردم المسافة بين القول والفعل، لأنَّ الإنسان ـ فيما يتحرَّك به ـ يملك تعبيرين عمَّا في داخله مما يعتقده، أو مما يتعاطف به، أو مما ينهج به من نهج القول والفعل، فهما علامتان عمّا في داخلك، فقولك هو صورة عمّا تفكّر فيه وعمّا تحسّه، وفعلك صورة عمّا تعيشه في داخل نفسك.
  وهناك من يحكم على الناس بأقوالهم وأفعالهم، حتى إنَّ الفقهاء جعلوا ظاهر الفعل علامةً على عدالة الإنسان عندما يتحرّك في خطّ الاستقامة، أو على فسقه عندما ينحرف عن هذا الخطّ، فكما أنَّ القول كاشف عن عمقك، فالفعل أيضاً كاشف عن عمقك.. والإسلام يعتبر الإنسان في داخله وحدة واحدة، فأنت لست شيئين، بل أنت شيء واحد في وجودك، وهكذا أنت فكر واحد في عقلك الّذي يفترض أن يؤكِّد الرأي المحدّد الّذي لا يتلوّن في أيّة قضيّة من القضايا، كما لا يملك الإنسان قلبين، لأنّه لا يمكن أن يؤمن بالشّيء وضدّه في الآن نفسه، أو أن يشعر بالشَّيء وضدّه في ذات الوقت، وربما نستوحي ذلك في الجانب الفكريّ والعاطفيّ من قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}2.
  فأنت عقل واحد وقلب واحد، فإذا كنت واحداً في منطق عقلك، وكنت واحداً في منطق قلبك وإحساسك، فلا بدَّ من أن يكون التّعبير واحداً، وإذا كانت لديك وسيلتان للتّعبير، فلا بدَّ من أن تتطابقا ومن أن لا يختلف أحدهما عن الآخر، وإلا كنت كاذباً في أحاديثك، لأنَّ مسألة أن يتّفقا معاً في التّعبير عنك وهما متناقضان، يعدّ مفارقة غريبة، إذ لا يمكن أن تكون متناقضاً في ذاتك يتجاذبك النّقيضان، لأنَّ معنى ذلك أنّك تكذب إمّا في قولك، إن كان قولك مخالفاً لما تؤمن به، أو في فعلك، عندما يخالف فعلك ما تؤمن به.
  خلق مقيت عند الله
  فلذلك يخاطب الله المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، والإيمان حقّ، والإيمان صدق، والإيمان وحدة، لذلك عندما تكون مؤمناً، فإنَّ معنى ذلك أن يصبح عقلك عقل الإيمان، وقلبك قلب الإيمان، ونهجك نهج الإيمان، وعند ذاك، كيف يمكن أن تكون هناك مسافة بين القول والفعل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً…}3.
  هنا نلاحظ أنَّ هذا التَّعبير القرآنيّ يوحي بخطورة موقف الإنسان أمام الله، فإذا كان الله يمقتنا فتلك الكارثة، وإذا كان الله يمقتنا أكبر المقت، فهناك الموت الرّوحيّ بكلِّ معناه، ولذلك لم نجد القرآن الكريم قد عبّر مثل هذا التَّعبير إلا في المواقع التي تمثّل الخطورة كلَّ الخطورة، {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}4. وعندما ندرس هذه المسألة، فإنَّ إيحاءاتها وخطورتها تنطلق من أنّها تتحرّك في خطّين كلاهما خطر؛ الخطّ الأوّل، وهو أنّك تزيّف نفسك، لأنّك تجعلها في حالة التّناقض والازدواجيّة، وبذلك تضيع، لأنّ قولك حينذاك يعني شيئاً وفعلك يعني شيئاً آخر، وأنت تريد أن تنطلق في الحياة انطلاقةً سويّة، فهل تنطلق من موقع فعلك أو من منطق قولك!
  إنَّك عندما تعيش هذه الازدواجيَّة في موقفٍ ما، فإنَّ هذه الازدواجيَّة الّتي هي خُلق طارئ عندك، تعني أنّك يمكن أن تقول قولك اليوم وتفعل ما يناقضه غداً، ثم تقول قولاً آخر وتفعل ما يناقضه بعد غد، ما يعني أنّك تتحرّك في خطِّ الضّياع، فلا تجد نفسك التّائهة، لأنَّ الإنسان يجد نفسه حيث هو في العمق، وحيث هو في العقل، وحيث هو في القلب، وحيث هو في الكيان والإحساس والشّعور، وعندما يتحرّك ليعبّر عن نفسه بطريقة، ثم يعبّر عنها بطريقةٍ مناقضةٍ أخرى، فإنّه يعيش القلق واللااستقرار، وهكذا يبقى يتحرَّك في خطِّ التَّناقض، بحيث يصل إلى مرحلةٍ لا يعرف فيها من هو عند نفسه قبل أن يفكِّر الآخرون فيه.

  والخطّ الثّاني الّذي يمثِّل الخطورة أيضاً، هو أنّك عندما تباعد ما بين قولك وفعلك، فإنّك تخدع النّاس في ذلك عندما يكون قولك، وهذا هو الغالب، في دائرة الإيجاب، وفعلك في دائرة السّلب، بحيث يعطي قولك النّاس أحلاماً ويعطيهم اطمئناناً وثقة، ولكنّ فعلك على العكس من ذلك، وبذلك فأنت تساهم في إضلال النّاس عندما يتحركون مع أقوالك فتخدعهم بذلك، وعندما تأتي أفعالك لتناقض أقوالك، يكون النّاس قد وقعوا في التّجربة الصَّعبة وهلكوا من حيث لا يعلمون.
  عناصر الإيمان
  ولهذا ـ أيّها الأحبَّة ـ لا بدَّ لنا من أن نربّي أنفسنا على أساس أن يكون الصّدق في العقل وفي القلب وفي الكلمة وفي العمل، حيث يعيش الإنسان ليكون صدقاً كلّه، ولا سيَّما أنَّ الإمام عليّاً(ع) كان قد عرّف الإيمان بعناصر ثلاثة:
  العنصر الأوَّل: “الإيمان معرفة بالقلب ـ والقلب هنا العقل، فالقلب في القرآن الكريم يمثِّل طاقة الوعي في الإنسان، الَّتي قد تشمل القلب والعقل معاً، بحسب المصطلح العام للقلب والعقل ـ وإقرار باللّسان، وعمل بالأركان”5، يعني بالأعضاء، فأنت عندما تكفّ عن الصِّدق في أيِّ جانب، فإنّك تفقد إيمانك، لأنَّ الإيمان، كما ذكرنا أكثر من مرّة، ليس خفقة قلب، وليس نبضة إحساس، بل هو كلّك؛ عقلك وقلبك وإحساسك وحركتك في الواقع.
  ولذلك، لا بدَّ لنا من أن نربي أنفسنا على أن نقول الحقّ، وأن نجعل أفعالنا ما أمكن مطابقة لأقوالنا، بحيث إذا انحرف الفعل عن القول في موقف، بادرنا إلى الرّجوع إليه، وهذا هو الّذي تحدَّث به الله سبحانه وتعالى عن المتَّقين: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}6، أي عندما يطوف بهم الشَّيطان فيبتعد بهم عن خطِّ الاستقامة، فإنَّ طوافه بهم لا يطول كثيراً، لأنَّ الوعي في الدّاخل يستيقظ ويفتح عينيه على الحقيقة ليدفع الإنسان إلى خطّ الاستقامة.
  الازدواجيَّة بين القول والفعل
  ويحدِّثنا الله سبحانه وتعالى عن نموذجين من النّاس من الَّذين يخالف فعلهم قولهم، ففي آيةٍ يقول، كما في سورة النّساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ}7، وهذا الزّعم لا بدّ من أن يتحرك من منطق القول، حيث يقولون نحن مؤمنون بالله وبرسوله وبرسالاته، والإيمان بالله وبالرّسول وبالرّسالات هو ما يفرض عليهم أن يسيروا في هذا الخطّ إلى النّهاية، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}8 على هذا الخطّ، ولكنَّهم وهم يزعمون أنَّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبل، {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ}9، والطّاغوت هو كلّ نهج أو قوّة أو خطّ يبتعد عن خطِّ الله ورسوله.
  فأنت عندما تكون مؤمناً، فلا بدَّ من أن تتحاكم إلى الإيمان: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، في كلِّ ما اختلفوا فيه من شؤون العقيدة والشَّريعة والحياة، {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}10، فمنطق الإيمان يفرض عليك أن يكون رسول الله بنفسه وبشريعته هو الحكم بينك وبين الآخرين، ولكنَّك تتحاكم إلى الطّاغوت خطّاً ومنهجاً وبرنامجاً وجهداً وشخصاً، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}11، عندما يربطهم في واقعهم العمليّ بأطماعهم وشهواتهم الّتي قد يجدونها لدى الطّاغوت، ولا يجدونها إذا كانت منحرفةً وخبيثةً عند الله ورسوله، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً}12، لأنّهم يتحركون في خطِّ هذه الازدواجيَّة بين القول والفعل.

 

ارجو ان نكون قد وضحنا كافة المعلومات والبيانات بخصوص بين أثر مطابق الفعل القول في بناء شخصية ﻻنسان المتزنة، ولكن في حالة كان لديكم تعليق او اقتراح بخصوص المعلومات المذكورة بالأعلى يمكنكم اضافة تعليق وسوف نسعى جاهدين للرد عليكم.