تحليل قصيدة زهور أمل دنقل؟

تحليل قصيدة زهور أمل دنقل
هو ما نسعى الى التكلم عنه اليوم بشكل مختلف وعميق من اجل الوصول إلى أكثر استفادة لزوار موقعنا الكرام.
 

تحليل قصيدة زهور أمل دنقل

 

يختار الشاعر موضوع قصيدة “زهور” من موقف حياتي بسيط، قد يكون عابرا؛ فتحدثت القصيدة عن باقات الورد المصفف في سلال مزدانة، إنه لا يراها كذلك، بل إنه يرى في محنتها وقطفها من بستانها وإزالة روح الحياة من بين حناياها مثالا أو معادلا موضوعيا لبؤسه هو/ بؤس الإنسان العربي المسحوق والمهان، المقتول أو المصلوب في بؤس الحياة، وكما أن هذه الزهور تحمل اسم صاحبها، فإن الإنسان العربي كذلك يحمل اسم قاتله في بطاقة.

نشر الشاعر أمل نقل هذه القصيدة في ديوانه الأخير “أوراق الغرفة 8” عام 1983، وجاءت في مرحلة متأخرة من مسيرته الشعرية الحافلة بعدة دواوين، وتعبر القصيدة في المجمل عن حالة الشاعر المتردية التي وصل إليها نتيجة أوضاع سياسية قاهرة، فبعد أن عاش الشاعر ما عاش لم يظفر بيوم، وها هي الحياة تمضي سريعا بذل كبير، وكأن الشاعر يتنبأ في هذه القصيدة بموته، الذي فاجأه في 21/5/1983، إنها اللحظة التي يفقد فيها الإنسان أمل الحياة وأمل التغيير.

قسم الشاعر القصيدة إلى ثلاثة أقسام؛ يمثل المقطع الأول مفتتح النص، وتكون القاف والهاء الساكنة قافية لهذا المقطع، يعرض فيه الشاعر مشهدا عابرا للزهور:

وسلال من الورد

ألمحها بين إغفاءة وإفاقهْ

وعلى كل باقهْ

اسم حاملها في بطاقهْ

أما المقطع الثاني، وهو أطول مقاطع القصيدة، إذ يمتد على مساحة “15” سطرا شعريا من أصل “19” سطرا هي مجموع أسطر القصيدة، وتحاور تلك الزهرات التي رآها في المشهد السابق، فتعبر بدهشة عن قطفها وإسقاطها عن عرشها في بستان نضر، لتصحو على نفسها، وإذا بها تزين واجهات محلات بيع الزهور، وتهان بين أيدي البائعين المتجولين، لتستقر بين أيدي إنسان متفضل، يجود بها على الشاعر متمنيا من خلال هذه الزهور طول العمر، فتهمس هذه الباقة المعذبة في ضمير الشاعر، عن مأساتها “وهي تجود بأنفاسها الأخيرة” .

ويعتمد الشاعر كذلك في هذا النص القصير والمعبر على أسلوب السرد، الذي جعل القصيدة مشهداً قصصيا قصيرا دالا ومكثفا لمعاناة طويلة، مستخدما في ذلك الجمل الفعلية، في زمن ماضٍ، وتحقيقا للنغم الموسيقي، وعناصر الإيقاع الخارجي، فقد بنى الشاعر المقطع الثاني على عدة قواف تبدو برتابة معينة، فجاءت اللام والهاء الساكنة ” الخميلهْ/ الجميلهْ” ثم الفاء الساكنة في “القطفْ/ القصفْ” والنون المسبوقة بياء المد ” البساتينْ/ المنادينْ” والراء الساكنة ” الخضرْ/ الفجرْ” والراء التي تليها الهاء الساكنة” العابرهْ/ الآخرهْ”، ولعل هذا التنوع الموسيقي الكثيف يدل على الاحتدام العاطفي في نفس الشاعر، وجاء على لسان تلكم الزهور.

ثم تنتهي القصيدة بمثل ما بدئت به، جاعلا الشاعر من تجربة الزهرة تجربة له، ولكل إنسان عربي يموت على امتداد الوطن العربي، إن لم يمت فيزيائيا إلا أنه في حكم الميت، فالزهرة التي لفظت أنفاسها الأخيرة بين يديه، يتنفس بالكاد مثلها، فقد حملت اسم قاتلها، وهو كذلك سيحمل يوما اسم قاتله، ويعلقه على صدره، وكأنه يشير من طرف خفي بعلاقة المثقف مع السلطة، فإن استسلم المثقف للسلطة فقد باء بالموت.

وقد بُنيَ هذا المقطع على نسق مفتتح القصيدة؛ فقد جاء المقطع قـصيرا دالا مكثفا ينضح بالنغــم، بنبرة صوتية يحس الإنسان فيها بالمرارة:

كل باقهْ

بين إغفاءة وإفاقهْ

تتنفس مثلي بالكاد ثانية ثانيهْ

وعلى صدرها حملت راضيهْ

اسم قاتلها في بطاقهْ

وهكذا فقد نجح الشاعر عبر هذا النص ببناء صورة شعرية مشهدية، مستعينا ببعض الصور الجزئية، فقد نقل تشخيص الزهرة في القصيدة الزهرة من مجرد عنصر طبيعي إلى معادل موضوعي ورمزي للإنسان العربي المقهور، الذي لم يجد شيئا يواسيه سوى هذه الزهرة التي تتمنى له طول العمر، وعلى الرغم من النفَس الساخر في العبارة، إلا أنها قد تعبر من جانب آخر عن الحزن الذي يحياه الإنسان العربي والشيء العربي، وبالتالي الحياة العربية بمجملها، جراء أوضاع لا يحسد عليها، مما جعل الزهرة تسلم أنفاسها الأخيرة بين يدي الشاعر الذي عرف مأساتها وعبرت هي بالتالي عن مأساته، وجاءت القوافي الساكنة لتحمل تلك المأساة؛ فما السكون إلا تجلٍّ من تجليات الموت.

فهل يا تُرى ستغير زهور الوطن العربي رأيها بعد اشتعال الربيع العربي أم ستمنى بخيبة أمل، ويعود الشعراء يبكون ربيعا لم يكد يزهر، حتى انطفأ بريقه

 
ارجو ان نكون قد وضحنا كافة المعلومات والبيانات بخصوص
تحليل قصيدة زهور أمل دنقل
ولكن في حالة كان لديكم تعليق او اقتراح بخصوص المعلومات المذكورة بالأعلى يمكنكم اضافة تعليق وسوف نسعى جاهدين للرد عليكم.