شرح قصة نخلة على الجدول الطيب صالح؟

شرح قصة نخلة على الجدول الطيب صالح، هو ما نسعى الى التكلم عنه اليوم بشكل مختلف وعميق من اجل الوصول إلى أكثر استفادة لزوار موقعنا الكرام.

 

شرح قصة نخلة على الجدول الطيب صالح:

تحليل قصة “نخلة على الجدول”
1 – المضمون:

تتخذ الأحداث مكانها في قرية ريفية من قرى السودان، حيث تجتمع مقومات الحياة المختلفة بشكل متكامل لتشكل خلفية فنية للحدث الذي لا بد وأن يتفق مع الخصائص المكانية للنص؛ فـنجد “الشيخ محجوب” يتأمل الصور:
غابة النخيل – أحواض الذرة الناضجة التي لم تحصد بعد – الأحواض الجرداء العارية التي قطعت منها الذرة – نخلة محجوب- ساقية أبيه- سرحت على بقاياها قطعان الضأن والماعز – حمار حسين التاجر – جمع الحشيش للنعجة وأشركها طعامه وأنامها في فراشه – حمار التاجر …الخ
هذه الكائنات المتفرقة إذا جمعناها ومزجناها في قالب واحد لاستطعنا أن ننظر إلى الزاوية المكانية التي تجري فيها الأحداث من خلال عدسة مقعرة، لنرى كيف يتسم هذا المكان ببساطة العيش، وبدائية الحياة، وانسيابية التعايش البشري مع النباتي والحيواني، وكيف تعمل هذه الخصائص على صياغة الحدث الذي يتوقع أن يتناسب وإياها في القرية البسيطة التي يستقل أهلها الحمير للركوب، ويلبس العمامة على رأسه، ويقتات على النخلة.
أما الزمان فالمشهد يقع في اليوم السابق ليوم العيد، حيث الناس مسرورون بمقدمه وقد ابتاعوا لأنفسهم الجديد من الملبس والوافر من الرياش استعدادا وبهجة، فيقول:
” أجل. غدا عيد الأضحى حين يخرج الناس مع شروق الشمس في ثيابهم الجديدة، ويصلون مجتمعين على مقربة من ضريح الشيخ صالح “
كما أن هناك عوامل زمنية أخرى، وهي وإن لم تكن مباشرة ولكنها تؤثث للحدث، وتنزع نحو تكثيفه بصورة أكبر؛ حتى يتصور القارئ الوضع بكل تفاصيله فيتفاعل مع الحدث، وتتمثل مثلا في: كبر سن الشيخ محجوب، ووصول ابنه حسن سن المراهقة وخروجه عن العائلة متوجها إلى مصر للعمل فيها وقد أمضى خمس سنوات لم يرسل لأهله كتابا، وزواج ابنته خديجة وانتقالها للعيش مع زوجها في صعيد مصر. فهذه الخصائص الزمانية لا تقل أهمية عن الزمان الآني في تشكيل صورة أوسع عن الحالة التي عليها الشخصية، و هذه العوامل تعمل مجتمعة على تسيير الحدث وبناء الحبكة.
هذه المشاحنات المكانية والزمانية المتراكمة على كاهل الشيخ محجوب شكلت منه شخصية تصارع هموما وأحزانا، وتبغي من هذا خلاصا زائفا لا يستنقذه منه إلا الحظ. ويلاحظ أن الطيب صالح قد تمكن من صنع شخصيته وإبراز ملامحها النفسية المكتئبة.
تبدأ أحداث القصة بالشيخ محجوب وقد ثقل عليه همّ العيد في ظل معاناته الفقر، وتكبده حاله الرثة، وعدم مقدرته على توفير الملبس الجديد لزوجته، وابنته التي يتصاعد الحدث بمطالبتها إياه بأن يوفر لها فستانا كفساتين أترابها فيزداد ألمه الداخلي بمجرد تفكيره في ذلك. وحين يرفض التاجر حسين أن يقرضه المزيد من المال فإن الدنيا تسود في عينيه، فتتعقد الحبكة تدريجيا، وآنذاك يظل الشيخ غير قادر على أن ينفك من التفكير في كيف سيواجه الناس صباح العيد بملابسه القديمة. وتصل العقدة ذروتها حين يتذكر ابنه حسن الذي هجرهم منذ خمس سنوات للعمل في مصر دون أن يتلقوا منه كتابا واحدا وهو من ترعرع بين أحضانه وأكل من كسب يده، وفجأة يصطدم هذا التضارب النفسي بخبر تسوقه آمنة الصغيرة مبشرة بخبر وصول جواب من حسن. هنا يبدأ الحدث بالتناقص والحبكة بالانفكاك ليجد أن ابنه قد أرسل له طردا به ملابس جديدة وصرة نقود يدفع بها عوزه، فينطلق على حماره مسرورا جذلانا.
إذن فالشيخ محجوب يمثل الشخصية البطل التي تثبت صفاتها على طول مجرى القصة في سمات البساطة والفقر، ولكنها تمتزج وتتفاعل مع المحيط من حولها والظروف التي تعاني منها (كالفاقة إبان العيد، ونفور ابنه والناس عنه، واقتصار قوته على نخلة جريد يتيمة)، وتتفاعل مع شخصيات أخرى في المجتمع تمثل شخصيات معارضة كحسين التاجر الذي يرفض أن يقرضه مزيدا من المال وهو في أوضع أحواله، وكذلك ابنته آمنة التي تطالبه بثوب جديد للعيد كأثواب صويحباتها وهو يتألم في نفسه من عدم قدرته على توفيره خصوصا وأنه فقد كل ممتلكاته من الغنم والبقر، وابنه حسن الذي هجرهم ونساهم وهم في حال يرثى لها. هذه الشخصيات تظل في تصادم مستمر مع النفسية التي يعاني منها الشيخ محجوب، وتكثف ألمه ومعاناته، وهنا يتمثل الصراعان المزدوجان: الصراع الداخلي – متمثلا في رثائه لحاله التي أضحت ضيقا بعد بسطة، وكآبة وهما بعد سرور وسعادة، والصراع الخارجي – متمثلا في نفور الناس عنه وتكالب الدنيا عليه بانعدام مصدر الرزق وذهاب المعين.
ينطلق الكاتب في تبريز الحدث منطلق (الراوي) السارد العليم الذي يدرك ما تخفيه الصدور، فنجده يصور لنا ما يدور في خلج الشيخ من تذكر لأوضاعه المعيشية وسالف عهده الذي أضاعه في اللهو بعد أن كان ميسور الحال، وما آلت إليه أحواله الآن، رغم أن القارئ يجده مع جريان الحدث وانسيابيته كأنما يتحول إلى وصف محايد وهو في الحقيقة قد انطلق من قراءة داخلية لما يعتمل في صدر الشخصية التي هي الشيخ محجوب.
من الجلي أن الكاتب يهدف من هذا النص إلى إبراز مشكلة الفقر في المجتمع الريفي السوداني، وما يعانيه المرء من ضيق الحال وشح المال، ويطرح حلا لها وهو خروج الأبناء للعمل في بلاد الخارج ومعاونة أهلهم على تحسين أحوالهم المعيشي

2 – دراسة القصّة
يبدأ الكاتب القصة بحلاوة الايمان وعذوبة ربط الاعتقاد وبالسلوك الاسلامي “يفتح الله” ذلك المفتاح الذي يضعك منذ اللحظة الاولى في جوٍ ايمانيٍ تحيطه ارادة الله ليكون تلخيصاً لمبدأ ذلك الفلاح ألشيخ محجوب الخارج من اعماق الريف جاعلاً من هذه العبارة حمايةً له من التاجر حسين. “يفتح الله” ينطق بها الشيخ محجوب الفلاح الذي لا يملك من دنياه غير هذا الدعاء ونخلته التي يساوم عليها لاستقبال مناسبه عزيزة على قلبه هي عيد الاضحى.
يوظف الكاتب تقنية الاسترجاع في قصته محققاً من خلالها قدراً عارماً من المفارقة التي تعد ملمحاً بارزاً في نصوص الطيب صالح القصصية ونرى ذلك حين يستعيد شيخ محجوب ماضيه السابق(يعود خمساً وعشرين عاماً الى الوراء)لتحدث مقارنة بين ذلك الماضي البهيج وهذا الحاضر المؤلم.
يستمد الطيب صالح صوراً من البيئة السودانية : غابة النخيل, احواض الذرة, الساقية , القطعان(الضأن والماعز)…
وذلك لينقل لنا مكانية النص ويربطها بأحداث القصة التي تجري وتقوم في قرية ريفيه في قرى السودان فنرى هذا المكان ببساطة العيش وبدائية الحياة وانسيابية التعايش البشري مع النبات والحيوان.
اما الزمان فالمشهد يقع في اليوم السابق ليوم العيد(عيد الاضحى) حيث الناس مسرورون بقدومه. حضروا الجديد من الملابس وأُضحيتهم الا الشيخ محجوب الذي كان في تلك اللحظة يساوم على بيع نخلته.
تتكئ نخله على الجدول اذاً على تفعيل آلية التذكر فالحدث المركزي بداخلها(بيع النخلة), قادرٌ على استعادة حوادث اخرى ترتبط بتاريخ امتلاك شيخ محجوب لهذه النخلة التي اصبحت فيما بعد جزءاً لا يتجزأ منه. فأصبح لها حضوراً لافتاً وهاماً في حياته حيث ترتبط لديه بذكريات سعيدة وتبدل ايجابياً في مسار حياته(وصارت الحياة رغداً كأنما استجاب الله دعاءه يوم شق في الارض على حافة الجدول وغرس النخلة ,لقد استغنى عن أبيه وبنى لنفسه بيتاً).

اللغة في القصة:

ظهر الطيب صالح متمكناً قابضاً على زمام اللغة العربية باعتبارها صيغة مركزية من صيغ بناء العمل السردي. منتبهاً وواعياً الى ضرورة ملاءمة اللغة للشخصيات المختلفة فنجد اللغة عالية في السرد عندما يتحدث الراوي بينما تهبط الى العامية السودانية عندما تكون على لسان الصغار. ونجد اللغة العامية في الحوارات الشفوية التي دارت بين الشخصيات وهو ينزل اليها(للعامية) لتناسب مقام المتحدث ذاته فحين تتحدث آمنه الصغيرة تقول: (الناس دالو ود ست البنات دا من مصر وداب لنا معا دواب من حسن أخوي) حيث نلاحظ ان لسان الطفلة لم يستقم على الاحرف الصحيحة بعد, مثل: داب- جاب ,دواب- جواب.
لم تخلُ لغته من صبغةٍ دينيةٍ كتضمينه آيات من القرآن الكريم او بعض الأدعية كقوله: “بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة الا بالله”, “انا فتحنا لك فتحاً مبيناً.. سورة الفتح” .وتارةً يوظف الشعر الشعبي:
“الدنيا بتهينك والزمان يوريك وقل المال يفرقك من بنات واديك”
وبذلك استطاع ان يضمن لقصصه بواسطة هذه اللغة العالمية والقبول الاوسع, توظيف اللهجة المحكية السودانية سببه وهدفه هو تكثيف الواقعية في القصة (سواء كان بالجمل التي قيلت على لسان الصغير هاو ببيت الشعر او بأسماء النباتات التي ذكرها).

الواقعية الاجتماعية في القصة:

يعرض الطيب صالح في قصته نخله على الجدول عدداً من العادات والتقاليد التي تميّز البيئة السودانية مثل الاستعداد للعيد(لعيد الاضحى) وذبح الأضحية وشراء الملابس الجديدة والتوجه للمسجد لأداء الصلاة.
كل ما يتعلق بالعرس والاستعداد له مثل ,لبس حريرة العرس والتمسح بالدلكة ووضع الضريرة على الرأس والاغاني والاهازيج.
تسمية المولود تيمناً بالجدة ووفاء لذكراها.
التبرك والتيمن بإسقاء النخلة من ابريق الوضوء وقراءة ما تيسر من القرآن الكريم عليها لتنمو وتكبر بشكل افضل.
النقوط في العرس, تبرعات للعرس(خمسة قروش) وزجاجة من السمن وكيلاً من أجود انواع التمر…
المرسال القادم من مصر ليطمئن الاهالي على اولادهم في الغربة..
نبوءة الشيخ ود دويلب.

العبارة الدالة-الموتيف (يفتح الله):

تكررت عبارة يفتح الله بالنص عدة مرات وفي كل مره حملت معنى ودلالة مختلفة فعندما قال الشيخ محجوب “يفتح الله انا تمرتي لا أبيعها” دلت هذه العبارة على رفض البيع وصرف المشتري.. وردد الرجل في نفسه يفتح الله وقاده ذلك الى التفكير في سورة الفتح , دلالة” يفتح الله “هنا تغيرت فأخذت تحمل في طياتها الامل حيث أخذ ذلك من المعنى الخفي وربطه في الآية القرآنية.. يفتح الله على لسان التاجر(صفحه 120)فيها نوعٌ من القبول المبطن بالتهديد والسخرية والشماتة (يفتح الله, يفتح الله, باكر بتجي اتدور الدين).

 

ارجو ان نكون قد وضحنا كافة المعلومات والبيانات بخصوص شرح قصة نخلة على الجدول الطيب صالح، ولكن في حالة كان لديكم تعليق او اقتراح بخصوص المعلومات المذكورة بالأعلى يمكنكم اضافة تعليق وسوف نسعى جاهدين للرد عليكم.