شرح قصيدة صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله؟

شرح قصيدة صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله؟

شرح قصيدة صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله، هو ما نسعى الى التكلم عنه اليوم بشكل مختلف وعميق من اجل الوصول إلى أكثر استفادة لزوار موقعنا الكرام.

 

شرح قصيدة صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله:

– اقتباس مفردة تكوّن قافية بيت من أبيات القصيدة النموذج يكتسي أهمية قصوى وذلك نظراً للدور الذي تلعبه القافية في القصيدة وكذلك لدورها في نظم البيت وصياغة معانيه عند الشعراء. ولقد أشار إلى ذلك الباحث جمال الدين بن الشيخ في كتابه «الشعرية العربية» في الباب الذي خصه للقافية7. وذكر الباحث في هذا الباب ما أورده ابن طباطبا العلوي (ت 366 هـ/934 م) في كتابه «عيار الشعر» عندما تعرض للكلام عن النظم، إذ قال: «فإذا أراد الشاعر بناء قصيدة مَخَضَ المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثْراً، وأعدَّ له ما يُلْبِسُهُ إيَّاه من الألفاظِ التي تُــطَابقُهُ، والقوافي التي توافقه، والوزن الذي سَلَسَ القَولُ عليه، فإذا اتّـفقَ له بيتٌ يُشاكِل المعنى الذي يَرُومُهُ أثْبَتَهُ وأعْمَلَ فِكْرَهُ في شُغْلِ القَوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تَنْسِيقٍ للشعر وترتيبٍ لفنون القول فيه […]8.»

26الجملة التي يختم بها ابن طباطبا وصفه لعملية النظم، والتي يقول فيها إن الشاعر يُعْمِل «فكره في شُغْلِ القوافي بما تقتضيه من المعاني» تبين بوضوح أهمية الدور الذي تلعبه القافية في هذه العملية.

27وهذا يعني أن اقتباس الأخطل لقواف من قصيدة زهير سيكون له أثر بالغ على معاني قصيدته فوراء كل كلمة من الكلمات التي تكون القوافي المستعارة معنى أو مـوتيفاً أو موضوعاً لابد للأخطل أن يتعامل معه في قصيدته بشكل أو بآخر. يجب أن نضع نصب أعيننا أن اقتباس القوافي ليس مجرد اقتباس لمفردات منعزلة؛ فوضعية هذه الكلمات الخاصة ووظيفتها وكذلك دورها في النظم تجعلها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمعان وأفكار أو موتيفات. لكن هذا لا يعني بأن الشاعر المقلد مقيد وأن عليه أن يلتزم باقتباس القافية والسياق الذي ترد فيه معاً. فعملياً له خياران: إما أن يقتبس القافية والمعاني المرتبطة بها ويأتي بهما في نفس السياق الذي يتضمنهما في القصيدة النموذج؛ وإما أن يكتفي باقتباس القافية ودمجها في سياق مخالف. وغالباً ما يرافق تغيير السياق تغيير في المعنى. قراءة سريعة لقصيدة الأخطل تبين أنه قام بهذين النوعين من الاقتباس. لنر في ما يلي كيف تعامل الشاعر مع كل منهما.

28- يستعمل الأخطل كلمة «فأجاوله» وتعني الفضاءات الموجودة حول مكان ما في سياق حديثه عن الأماكن التي سكنتها حبيبته، والتي زارها بحثاً عنها كما فعل ذلك زهير بن أبي سلمى.

29- في بعض الحالات يقوم الأخطل بتغيير السياق الذي وردت فيه المفردات والعبارات المقتبسة من القصيدة النموذج؛ فمثلاً:

30- يستعمل كلا الشاعرين العبارة «كالخليط نزا يله» في النسيب [الأخطل: البيت الخامس، زهير: البيت الثالث]، لكن زهيراً يعبر بها عن فوات الشباب وعن حتمية هذا الفوات؛ فشبّه مرور زمن شبابه بتلك الضرورة التي تجبر الجيران والأحباب على الرحيل ومغادرة المكان الذي كانوا يعيشون فيه بجانب من ألفوهم وأحبوهم.

31أما الأخطل فيوظف هذه العبارة لإثبات فراق حبيبته له، إذ يقول إنّ رحيل أمّ معمر أجبره هو كذلك على مفارقة المنزل الذي تنزل به، فشبه فراقه لذلك المنزل بفراق الخليط لأحبائهم.

32- يستعمل الأخطل الكلمة الثانية في هذه العبارة (الفعل «نزايله») في المتكلم وفي صيغة النفي في البيت 40 للتعبير عن تعلقه بممدوحه «وإنني/بأسباب حبل منكم ما أزايله.»

9 يستعمل زهير الفعل «ختل» في بيتين آخرين هما البيت 12 والبيت 36.
33- يقتبس الأخطل في البيت التاسع من قصيدته الفعل «واصل يواصل». هذا الفعل وارد في البيت السابع عشر من قصيدة زهير في صيغة الجمع «نواصله» ويعارض في الشطر الثاني لهذا البيت الفعل «نختله»9 (بمعنى نخدعه)، والفعل واصل مستعمل هنا بمعنى جاهر وكاشف وجاء الفعلان في بيت يتطرق فيه الشاعر للطريقة التي سيستعملها الصيادون للتمكن من الصيد والبيت عبارة عن سؤال (لا جواب له) يطرحه أحد المشاركين في الصيد:

[17- وقال أمــيري: ما تـــرى رأي ما تـــرى      أنختله عن نفسه أم نواصله ]

34ينقل الأخطل هذا الفعل من سياق الصيد ويستعمله مع ضمير المتكلم في سرده لرحيله إلى ممدوحه. ينتج عن تغيير السياق هذا أو يرافقه تغيير في المعنى؛ إذ يعني هذا الفعل هنا متابعة السفر دون توقف:

[9- فَسَــــــــوفَ تُوَدّيـــــــــنا مـــِنَ اللَهِ ذِمَّـــــةٌ      وَإِلحاقُ تَهجيرٍ بِلَـيلٍ أُواصِــلُه]

35- كذلك الأمر بالنسبة للقافية «ورواحله» استعملها زهير في سياق كلامه عن عزف نفسه عن الحب عندما يقول في عجز البيت الأول «وعرّي أفراس الصِّبا ورواحله»، ونرى الأخطل يوظف هذه الكلمة في سرده لرحيله إلى بشر بن مروان في البيت 32 :

[32- وَمُســــتَقـبِلٍ لَفـــحَ الحــَـــرورِ بِحــــاجَــةٍ      إِلَيكُم أَبا مَروانَ شُدَّتْ رَواحِلُهْ]

36- عدد كبير من المفردات (سبع كلمات بالضبط) التي تم استعمالها في قصيدة زهير لوصف الفرس وحمار الوحش (أربـع كلمات من السبع المشار إليها أسماء لأعضاء جسمي الحيوانين) يوظفها الأخطل في قصة حمار الوحش لوصف هذا الحيوان؛ (انظر الجدول أعلاه).

37فالكلمات «أباجله» (في البيت 10) و«كاهله» (البيت 11) و «وابله» (البيت 24) تدخل في وصف الفرس عند زهير، بينما نجده يستعمل الكلمات «جحافله» (البيت 15) و«حلائله» (البيت 16) و«فائله» (البيت 27) في سياق كلامه عن حمار الوحش. يدمج الأخطل هذه المفردات في وصف حمار الوحش مما يضفي على هذا الحيوان لديه صفة الهجين.

38- نائله: يوظف كلا الشاعرين هذه الكلمة في سياق كلامهما عن سخاء الممدوح.

39- مقاتله: استعمل زهير هذه المفردة في البيت 33 بمعنى مجازي يعبر فيه عن حلمه ويقول إنه قد أعرض عن هجاء من هجاه ولو أن «مقاتله» أي نقاط الضعف فيه أو مثالبه ومساوئه بادية واضحة. في حين يستعمل الأخطل هذه الكلمة في البيت 41 لينعت ممدوحه بالشجاعة «[…] ما تنفك تُرمى مقاتله».

40- هو حامله: يقول زهير في قصيدته إن الغلام يَـحْمِلُ الفرس على العدو سواء أحب هذا الأخير ذلك أم كرهه. في قصيدة الأخطل هذه الجملة مستعملة في مدحه لبشر بن مروان حين يزعم أنّ لا أحد يستطيع أن يتحمّل ما يتحمله من الأعباء.

41- شاغله: ترد هذه الكلمة في وصف زهير لتصرف الغلام الذي لم يكن يصغي لوَصَاته لاشتغاله بالفرس. أما الأخطل فوظفها في الجزء الذي كرسه لمديح بشر فيقول إن طمع (ورق) الدنيا لا يشغل الممدوح عن الحق.

42- زلازله: ترد هذه الكلمة في البيت الأخير من قصيدة زهير وتتعلق بممدوحه وبمساندة الأحاليف له إذ يقول إن تدخلها يقي حصن بن حذيفة الشدائد. أما في قصيدة الأخطل فتأتي هذه المفردة في سياق آخر إذ يقحمها الشاعر في شكواه من الدهر الذي تغير وجاء بالأهوال وأودى النعيم.

التعلق النصي في غير القوافي
43أشرنا في ما سبق إلى أنّ زهيراً يكرِّس الجزء الثاني من قصيدته لوصف فرس ومشهد للصيد وأن الأخطل يتطرق لموضوع الرحيل في الجزء الثاني من قصيدته. ويسجل الأخطل هذا الاختلاف باستعماله فعلاً من نفس الجـذْر يقابل به الفعل الذي أورده زهير في البيت الذي يفتتح به وصفه للفرس إذ يقول:

9- صَبَحْتُ بـِـمَـمْســودِ النَواشِـــرِ ســـابحٍ      مُمَرٍّ أَسيلِ الخَدِّ نَهْدٍ مَراكِلُه

44ويقابل الأخطل هذا البيت بالبيت الانتقالي بين الجزأين الأول والثاني من قصيدته التي يقول فيها:

8-  فَأَصبَحــتُ كــوفِيـّاً وَأَصـــبَحَ أَهلُـــهـا      مَخارِمُ مَردٍ دونَهُــم وَأُبازِلُه

45في هذا النوع من التناص ثمة بعض الحالات التي يستمد فيها الأخطل الفكرة من القصيدة النموذج ويعبر عنها بمفردات تختلف عن تلك التي استعملها زهير.

46مثلا موتيف الشيب والشباب:

47يقول زهير في البيت 4:

فأصبــحـن ما يــعــرفـــن إلاّ خــليـــقتي      وإلاّ سـواد الـرأس والشيـب شامله

48ويقول الأخطل في البيت 7:

رأت ريـعـان الشـــــــــباب قــد انــــجلا      وأن مـــشيبي حاضـــرتني عــــواجله

49وكذلك الأمر بالنسبة للهزال الذي أصاب الأتان :

50يقول زهير في البيت 15:

ثـــلاث كأقـــواس السَّــــــــراءِ وناشــــطٌ      قـد اخضرّ مــن لَسِّ الغَمِيرِ جَحَافِلُهْ

51ويقول الأخطل في وصفه لحمار الوحش في البيت 12:

طوى بَطْنَهُ طُـولُ السِّيَــافِ وَأُلْحِقَـــتْ      مِعَاهُ بـــصُلْبٍ قَــدْ تَــفَلَّقَ فَـــائِلُهْ

52ويصف هُزال الأتان في البيت 22 فيقول:

غَيُـــورٌ طَــوى طَـيَّ المُــلاَءِ بُطُـــونَهَــــا      ولَوَّحَهَا تَـــشْحَاجُهُ وَصَلاَصِلُهْ

53يعبر الشاعران في هذه الأبيات عن نفس المعنى وهو ضمور الحيوان الموصوف، لكن كل واحد منهما يستعمل تعبيراً خاصاً به:

54فزهير يشبه الأتن بالأقواس ونراه بكتفي بهذا التشبيه، أما الأخطل فيصف هزال حمار الوحش مستعملاً العبارتين «طوى بطنه …» و«ألحقت معاه بصلب…» ويضيف إلى الوصف ذكر السبب (السياف).

55وشاعر تغلب ينهج نفس الطريقة في البيت 22، يصف هزال الأتن (طوى طي الملاء بطونها …) ثم يقول إن ذلك راجع لتشجاح حمار الوحش الذي كان يقلق راحتها ويخيفها.

56ويقول زهير في البيت 16 إنّ حمار الوحش كان وحيداً مع أتنه بعد فرار الجحاش التي كانت تصاحبه:

وَقَــد خَــرَّمَ الــطُــرّادُ عَـنــــهُ جِحاشَــــهُ      فَـــلَـم يَبقَ إِلاّ نَفـــسُهُ وَحَــلائِلُه

57ويقتدي الأخطل بالقصيدة النموذج فيظهر حمار الوحش عنده منفرداً:

إِذا اِغـــتَرَّها مِن بَطــنِ غَيبٍ تَكَشَّفَت      لِرَوعـاتِهِ جُــــحـشانُـــهُ وَحَـــــلائِـــــلُـه

58فالفعلان «خرّم» و«تكشّفت» لهما نفس المعنى هنا إذ يعني الأول فرّق والثاني تفرّقت. فبالإضافة إلى القافية «وحلائله» يستمدّ الأخطل فكرة انعزال حمار الوحش من قصيدة زهير. لكن وضعية هذا الحيوان عند الأخطل تختلف شيئاً ما عن وضعيته في قصيدة زهير. فعند الأخطل حمار الوحش هو المسؤول الوحيد عن انعزاله، أضف إلى ذلك أن وحدته عند هذا الشاعر مؤقتة؛ في حين يمكننا أن نستنتج من قراءتنا لبيت زهير أن السبب في انعزال حمار الوحش عنده يرجع للصيادين وأن هذا الانعزال نهائي.

59وكذلك الأمر بالنسبة للقوة الجسدية للحيوانات: يقول زهير بن أبي سُلمى في وصفه للفرس إنّه «ممسود النواشر» وإنه «مُمَر» (أي مفتول شديد الفتل). ويشبه الأخطل الأتن بالحبال:

9- صَبَحْتُ بِمَمسـودِ النَـــواشِرِ ســابِــحٍ      مُمَــرٍّ أَسيلِ الخَـدِّ نَـهدٍ مَراكِلُه (زهير)

25- كَـــأَنَّ اللَـواتـــي هُـنَّ مُــكتَــنِــــــفاتُـــهُ      قُـوى أَندَرِيٍّ أَحـكَمَ الصُّـنعَ فاتِلــُه (الأخطل)

60ويصف زهير حمار الوحش وهو يرعى فيقول:

15- ثَلاثٌ كَأَقواسِ السَّـراءِ وَمِسـحَـلٌ       قَدِ اِخضَرَّ مِن لَسِّ الغَميرِ جَحافِلُه (زهير)

61ثم يصف الفرس وقد اخضبّت قوائمه من دم حمار الوحش فيقول:

28- فَرُحنا بِـــهِ يَنضـو الجِيادَ عَشِــــيَّةً      مُــخَضَّبَةً أَرســـاغــهُ وَحـــَوامـِلُـــه (زهير)

62فاستحسن الأخطل هذه الأوصاف واقتبسها فأنشد قائلاً:

27- فَظَلَّ يَسوفُ النَهيَ حَتّى تَمَدّرَت      بِطينِ الزُبى أَرساغُهُ وَجَحافِلُه (الأخطل)

63ونلاحظ هنا من خلال المفردات المستعملة أنّ الأخطل جمع بين وصفي زهير للفرس وحمار الوحش معاً في بيته هذا. فالطين تعوض عنده العشب والدم.

64وفي نفس الإطار (القوة الجسدية) ينعت زهير الفرس بصلابة قوائمه وشدّتها فيقول:

10- أَمينٍ شَظاهُ لَم يُخَــرَّق صِِــــفاقـُـــهُ      بِمِـنقَبـَــةٍ وَلَــــم تُقَطَّــــع أَباجِـــلُه (زهير)

65ويستمد منه الأخطل هذا المعنى فيقول في حمار الوحش:

31- عَلـى أَنَّــهُ يَكفـــيهِ صُــمٌّ نُســــورُهُ      وَرُسـغٌ أَمينٌ لَم تَخُنهُ أَباجِلُه (الأخطل)

66ومن بين المعاني التي اقتبسها الأخطل من مديح زهير ووظفها في مديحه:

67فكرة العطاء غيرالمنقطع الذي يغدقه الممدوح على الشاعر، وذلك باستعماله عبارة «ما تغبّني… فواضله»:

34- جَزاءً وَشُكــراً لامــرِئٍ مــا تُغِبُّني      إِذا جِـئتُهُ نَعماؤُهُ وَفَواضِلُه (الأخطل)

68وهذه العبارة موجودة في نفس السياق عند زهير إذ يقول:

34- وَأَبيَضَ فَيـّاضٍ يَــــداهُ غَمــامَةٌ عَلى مُعتَفيهِ ما تُغِبُّ نَوافِلُه (زهير)

69ونلاحظ كذلك تقارباً بين العبارات التي استعملها الشاعران لنعت شجاعة ممدوحيهما. يقول الأخطل مادحاً بشر بن مروان:

35- أَخو الحَربِ ما يَنفَكُّ يُدعى لِعُصبَةٍ      حَرورِيَّـــهٍ أَو أَعــــجَمِـيٍّ يُـــــقاتِلُه

70ويقول زهير:

42- وَمَن مِثلُ حِصنٍ في الحُروبِ وَمِثلُهُ      لإنـــكارِ ضَــيمٍ أَو لأمــرٍ يُــحــاوِلُه

71ويحمَد الأخطل كرم بشر بهذه الاستعارة:

39- إذا غـــــــاب عنّا غــــاب عنّـا فــراتـــنـا      وإن شَـهْدَ أجْدى فَيْضُهُ وَجَدَاوِلُهْ

 

ارجو ان نكون قد وضحنا كافة المعلومات والبيانات بخصوص شرح قصيدة صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله، ولكن في حالة كان لديكم تعليق او اقتراح بخصوص المعلومات المذكورة بالأعلى يمكنكم اضافة تعليق وسوف نسعى جاهدين للرد عليكم.